كريمة الصقلي عاشقة الطرب الأصيل تزدان بإحساسها وتعمّقها في الشعر والموسيقى، لا سيما الإنشاد الصوفي. سمّيت بأسمهان المغرب، ووصف صوتها بأجمل الصفات، والأهم هو ما يقف خلف صوتها من ثقافة ومعرفة فنية بالموسيقى الكلاسيكية والشعر والأدب. جالت الصقلي دولاً عدّة حاملة همّ الأغنية العربية ومنفتحة على المدارس الموسيقية الحديثة كلّها، ومن المقرّر أن يحطّ صوتها رحاله عند الثامنة من مساء الأربعاء في الثالث من شباط المقبل في مسرح قصر الأونيسكو بدعوة من «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق – عربية» بقيادة مدير الفرقة الفني المايسترو أندريه الحاج، الذي قال لـ»السفير» إنّ الحفل «المرتقب هو من ضمن نشاطات الأوركسترا وهو يشبه الصقلي من حيث نعومتها ورقتها وذكائها وكذلك قوّتها. ويضيف: «صوت كريمة مفعم بالذكاء والإحساس، وفي اليوم الأول من التدريبات مع الفرقة وصل الموسيقيون بعد ثوانٍ معدودة إلى حال من السكون المخدّر لشدة تأثرهم بمغناها وحرفيتها، ما يعني أنّ الحفل سيكون قمّة في الإحساس والحرفية مع 58 عازفاً».
أضاف الحاج أن الحفل سيُستهلّ بمقطوعة موسيقية من تأليفه تحت عنوان «ويبقى الوطن» لتقدّم الفنانة الريبرتوار التالي: «يا ليل طلّ» للحلاج، «اسقنيها» لأسمهان، «نسيم الريح» للحلاج، «الورد جميل» لكوكب الشرق أم كلثوم، «يللي هواك شاغل بالي» لأسمهان، وبعد ذلك ستعزف الفرقة مقطوعة موسيقية من تأليف الشاب أندريه سويد (22 عاماً)، ليعود صوت كريمة يشدو بأغنية «يا جارة الوادي» من كلمات الشاعر أحمد شوقي ومن ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب وهي تقدّم للمرة الأولى مع أوركسترا في لبنان، «دخلت مرة في جنينة» لأسمهان، وأغنية خاصة للصقلي تحت عنوان «زدني بفرط الحب» لإبن الفارض ومن ألحان المغربي رشيد غلام، «آمنت بالله» للور دكاش، والختام مع أغنية «امتى حتعرف» لأسمهان.
حلم
تتحدّث الصقلي لـ «السفير» عن حفلها المرتقب، بكلّ حماسة ومسؤولية، وتقول إنّها في شوق دائم للقاء الجمهور اللبناني، وهي أحيت حفلاً ضمن «مهرجانات بيت الدين» في العام 2008، وفي «قصر الأونيسكو» في العام 2011، «منسوب القلق قبل حفلات هو في أعلى المستويات دوماً، وأعتبر الأمر صحياً لأنه يتعلّق بحجم المسؤولية التي أشعر بها قبل أي لقاء مع الجمهور في أي بلد كنت، وهذا مرده احترام كل حرف ونوتة موسيقية وكيفية تفاعل الناس معهما».
نسألها عن المشروع الفني مع الفنان مرسيل خليفة الذي حكي عنه الكثير في العام 2014 ولم ير النور حتى اليوم، فتجيب «هذا المشروع هو بمثابة الحلم، والعائق أمام تحقيقه هو محض إنتاجي، لأن المشروع عالمي بكل ما للكلمة من معنى»، أمّا عن تعاونها مع الممثل جون كلود فاندام من خلال غنائها في فيلمه «فول لوف» بالعربية فتقول «حصل الأمر عبر الملحن الصديق يوسف كزوم وأعجب فاندام بغنائي وكانت المشاركة، كنت في لوس أنجلوس في العام 2014 حيث قدّمت حفلاً مع فرقة «ميتسو» بقيادة المايسترو الدكتور نبيل عزام، ومن المقرّر أن أحيي في الرابع والعشرين من نيسان المقبل في جامعة كاليفورنيا حفلاً مع الفرقة، على أن تليها سلسلة حفلات بين أوروبا والدول العربية.
ترفض الصقلي التطفّل على التمثيل، مع العلم أنّها شاركت كممثلة في فيلم «ملائكة الشيطان» لأحمد بولان، «قدّمت دوراً قريباً من شخصيتي، ولا يمكن أن أتطفّل على أي دور لا يشبهني أو لا يشكّل إضافة لي أو العكس، فالسينما حرفية والسينما حياة. أعتبر مشاركتي تجربة ناجحة على صعيدَيْ التمثيل والموسيقى في السينما، ولا مانع من تكرار التجربة».
ندرة الإنتاج
تعتبر الصقلي أن لقب «أسمهان المغرب» هو شرف مُنح لها، «مع العلم أنني لا أسعى إلى تقليد أسمهان، ولم أسعَ إلى هذا اللقب، وفخر لي أن ألقّب بصاحبة الصوت النادر جداً»، إلى ذلك ترى الصقلي أن المشكلة الأساس في عدم انتشار أغانيها يعود إلى الإنتاج، وليس فقط سوء التوزيع، «هناك ندرة في إنتاج الأغنية العربية بمسؤولية تأخذ في الاعتبار الشعر والأدب والموسيقى في يومنا هذا، وأنا مع التجارب لتغذية الذوق الفني، وقد حلّ الإنترنت مشكلة التوزيع وبات بإمكاننا عرض أعمالنا عبر اليوتيوب أو عبر مواقع التواصل وصفحات خاصة. ولذلك تجدينني أعمل مع مؤسسات ثقافية عالمية تهتمّ بالموسيقى العربية والغناء الطربي بسبب ندرة الإنتاج».
تضع الصقلي، التي تعتبر مرجعاً في مجال الموسيقى العربية الكلاسيكية، علامة استفهام أمام مستقبل الأغنية الطربية العربية، «يجب أخذ زمام الأمور بالتفكير في أطفال اليوم وماذا يسمعون وعلينا البحث في هيكلية أغنية الغد، هذا الهم ليس شخصياً بل يجب أن يكون مسؤولية الجميع».
الصقلي تعلن أنّها تعتمد في أعمالها كلّها على الصدق النابع من القلب، «لا أسعى للانتشار، ولكن تعنيني الموسيقى بكلّ أنماطها حتى الحديثة منها، وأذوب عشقاً في الغناء الطربي والإنشاد الصوفي، المهم أن يرضيني العمل الفني أولاً وأخيراً».
محطات
ـ بدأت الغناء وهي في التاسعة من العمر وأول أغنية قدّمتها بإتقان، أغنية «أغداً ألقاك» لكوكب الشرق أم كلثوم. أمّا أول حفل لها فكان في تونس إلى جانب عازف العود نصير شمة في مهرجان حلق الواد في العام 1999، وأحيت حفلاً لتكريم أسمهان في «دار الأوبرا» (القاهرة) في العام عينه ضمن مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية.
ـ عديدة هي الحفلات والمهرجانات المغربية والعربية والعالمية التي شاركت فيها برفقة كبار العازفين والمطربين مثل نصير شمة، لطفي بوشناق والملحن وعازف العود المغربي سعيد الشرايبي، الذي كوّنت معه ثنائياً مبدعاً، وقدّم لها مجموعة من الألحان في بداية خطواتها نحو الاحتراف، مثل أغنيتي «ظلال» و «العشاق»، وهما قصيدتان للشاعر المغربي المعروف عبد الرفيع الجواهري، الذي غنت له كذلك قصيدة «خبئي الشمس» من ألحان عزيز حسني، و «طفولة الحجر» من تلحين عبد العاطي امنا. من أغنياتها أيضاً «أغار»، وهي قصيدة للشاعر السعودي محيي الدين خوجة، وألحان نعمان الحلو، و «نداء الأسير» من كلمات مصطفى الطالبي، وألحان محمد الحراق، وتوزيع كريم السلاوي، و «تسبيحة عاشق» وهي قصيدة للشاعر أبو بكر باكر، وألحان بدر الدين الوهابي، وغنت أيضاً أشعاراً صوفية قديمة.
ـ التقت الصقلي للمرة الأولى المطرب التونسي لطفي بوشناق، عام 2000 عند مشاركتهما في مهرجان الموسيقى العريقة الذي ينظم سنوياً في فاس، وأثمر هذا اللقاء في 2006 عملاً فنياً طربياً بعنوان «وصلة» وهو من كلمات الشاعر آدم فتحي، وتبنّاه معهد العالم العربي في باريس.
ـ في العام 2000 شاركت في حفل تكريم الشاعر أدونيس في معهد العالم العربي في باريس، وفي العام 2005 في «عيد الموسيقى» (سراييفو) تحت شعار «موسيقى، لغة السلام في العالم»، حفل بريالطو «من أجل فلسطين» في العام 2007، وفي احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، ومهرجان الموسيقى العربية بمناسبة الدوحة عاصمة ثقــافية في العام 2010، وشــــاركت في مهرجان الشباك للاحتفاء ببُردة الإمام البوصــــيري في مركز «باربيكان» في لندن في العام 2015.
فاتن حموي